الجمعة، 3 أكتوبر 2008

اليوم عيسى وغدا حمودة وقنديل


صحفيو مصر يدفعون ثمن الحرية

محيط ـ احمد عطية

رؤساء تحرير في مهب الريح
جاء الحكم الذي أصدرته محكمة جنح مستأنف بولاق أبو العلا ضد الزميل إبراهيم عيسى ـ رئيس تحرير جريدة الدستور ـ بالحبس شهرين في القضية المعروفة بصحة الرئيس ليكرس عقوبة حبس الصحفيين رغم الوعود الرئاسية السابقة بإلغاء عقوبة الحبس في قضايا النشر وكذلك المطالبات المتكررة للجماعة الصحفية بإلغاء العقوبات السالبة للحرية في قضايا النشر والرأي كما هو معمول به في الدول الديمقراطية.

ويرى كثير من المراقبين أن هذا الحكم مقدمة لحبس ثلاثة رؤساء تحرير صحف آخرين وهم عادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر و الدكتور عبد الحليم قنديل الرئيس السابق لتحرير جريدة الكرامة ورئيس التحرير الحالي لجريدة صوت الأمة وأيضا وائل الإبراشي رئيس التحرير السابق لجريدة صوت الأمة في قضية الإساءة لرموز الحزب الوطني وهى القضية التي تنظرها محكمة جنح العجوزة برئاسة المستشار شريف إسماعيل في 4 أكتوبر القادم والذي صدر فيها حكما بالحبس سنة والغرامة 20 ألف جنيه.

وكان محامي من الحزب الوطني يدعى إبراهيم عبد الرسول قد أقام الدعوى القضائية رقم 26700 ضد رؤساء التحرير الثلاثة إضافة إلى إبراهيم عيسى متهما إياهم بالإساءة إلى قيادات وكوادر من الحزب الوطني الحاكم ومؤكداً أنها أخبار ملفقة وكاذبة وتهدد الأمن العام وأن رؤساء التحرير لم يتحروا الدقة في الموضوعات الصحفية المنشورة وقد تم تأجيل الدعوى للرابع من أكتوبر المقبل للمرافعة.

يأتي ذلك في الوقت الذي يتعرض فيه كلا من عادل حمودة رئيس تحرير جريدة الفجر ومحمد الباز الصحفي بالجريدة للحبس في القضية المعروفة بإهانة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي الذي رفض وساطة مكرم محمد احمد نقيب الصحفيين ووفد من مجلس النقابة للتصالح في القضية التي رفعها ضد حمودة والباز مقابل اعتذارهما وقيام مجلس النقابة بالتحقيق معهما إلا ان شيخ الأزهر أعلن تمسكه بموقفه باستمرار عرض القضية على القضاء المصري رافضا ان يقوم مجلس النقابة التحقيق في الأمر بديلا عن القضاء وهو ما يعني أن حمودة ينتظر نفس مصير عيسى.

و كانت جريدة الفجر قد نشرت تحقيقا صحفيا يطالب شيخ الأزهر بعدم زيارة بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر بعد تطاوله على الإسلام والرسول صلى الله عليه وسلم كما نشرت الجريدة صورة للشيخ يرتدي زيا كهنوتيا وبجواره صليب وهو ما اعتبره الدكتور طنطاوي إهانة له ولمؤسسة الأزهر الشريف.

ويؤكد الواقع أن الحكم بحبس رئيس تحرير جريدة الدستور وإقامة قضايا حسبة سياسية ضد رؤساء التحرير الآخرين المهددين بالحبس هو رسالة واضحة وصريحة إلى كل صحفي بعدم تناول شئون الرئاسة ورئيس الجمهورية بالنقد خاصة وان صحف مستقلة وحزبية ومنها الدستور والكرامة وصوت الأمة توسعت في السنوات الأخيرة في نقد رئيس الجمهورية والتنديد بوجود أي نوايا لتوريث الحكم في مصر ونقل السلطة إلى نجل الرئيس خاصة بعدما شهدت مصر نوعا من الحراك السياسي منذ عام 2005 وظهور حركات الاحتجاج الشعبية وعلى رأسها الحركة المصرية من اجل التغيير كفاية.

من جانبها أدانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان بشدة الحكم الذي صدر ضد رئيس تحرير الدستور مشيرة إلى أنه منذ اللحظة الأولي وعبر التحقيق غير المحايد الذي أجرته نيابة أمن الدولة مع عيسى كان واضحا النية المبيتة لسجنه وتأكدت هذه النوايا بعد تحويل القضية إلى جنحة أمن الدولة طوارئ وانه رغم التراجع في قرار تحويلها لجنحة أمن دولة طوارئ إلا أن وقوف النظام المصري بكل ثقله خلف هذه القضية جعل الحكم بالسجن متوقعا للانتقام من عيسى باعتباره ضمن أهم الصحفيين المنتقدين لأداء الحكومة المصرية وقمعها والفساد المستشري في مصر.

وأعلنت الشبكة دعمها لعيسى الذي وصفته بالصحفي الشجاع الذي اختار أن يدفع من حريته ثمنا لحرية التعبير وحق المواطنين في صحافة حرة ومستقلة مؤكدة أن هذا الحكم محاولة لهدم حرية الصحافة في مصر وداعية في نفس الوقت الصحفيين وكل قوى المجتمع في مصر بان ينحازوا لحرية الصحافة وحرية التعبير ضد حكومة استمرأت القمع وفشلت في كل شيء سوى في دعم الفساد وقمع الحركة المطالبة بالديمقراطية والمنادين بحرية الصحافة.

مكرم محمد احمد
في حين قال مركز هشام مبارك للمساعدة القانونية أن الحكومة التي فشلت في إحداث أي تقدم تنموي أو حتى الحفاظ على ما كان موجود منها وعجزت عن إدارة أي أزمة من حرائق قش الأرز إلى حرائق الأسعار لم تتحمل صوت الصحافة المستقلة لأنها تعودت على الثناء والمديح في أتفه الأشياء من أبواقها وخدامها ولم تتقبل صوت الحقيقة ولم تتحمل شجاعة الصحافة الجديدة وفى القلب منها جريدة الدستور ورئيس تحريرها إبراهيم عيسى.

وأضاف بيان للمركز أن ما تعرض له عيسى وجريدة الدستور من بداية هذه القضية يؤكد على أن هذا الحكم ليس مفاجأة فقضية نشر عادية يتم التحقيق فيها بمعرفة نيابة أمن الدولة بدلا من النيابة العامة ثم يعلن أنها تحولت للمحكمة بوصفها قضية أمن دولة طوارئ ثم يتم التراجع عن هذا الإعلان ويؤكدوا أنها أمام القضاء الطبيعي وكل ذلك الارتباك المنظم يعكس الأجواء الحقيقية التي تمت فيها التحقيقات والمحاكمة وان الحكم الذي صدر بحق عيسى في حقيقته هو حكم ضد كل الصحفيين المصريين وضد حرية الصحافة ويناهض الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر.

ويرى جمال فهمي عضو مجلس نقابة الصحفيين أن مصر تعيش نوعا من الحرية العرفية وتقوم هذه الحرية على الأهواء والأمزجة وانه عندما يتخطى الصحفيون الخطوط الحمراء يستدعي النظام ترسانة من القوانين والتشريعات المقيدة لحرية الصحافة وذلك في حالة إذا ما شعر النظام بان النشر في قضايا معينة يشكل خطر عليه او ان هذا النشر سيؤثر على وضعه مضيفا انه لا يحدث في أي دولة أخرى ان يتم حبس صحفي قام بنشر خبر كاذب رغم ان نائب رئيس هيئة سوق المال قد نفي تأثير نشر هذا الخبر على الوضع الاقتصادي للدولة.

وتساءل فهمي لماذا لم تقم أي جهة بما فيها رئاسة الجمهورية بنفي شائعات مرض الرئيس رغم أن أكثر من عشر صحف تناولت هذه الشائعات وكانت تحث الحكومة للرد على هذه الشائعات ونفيها لأنها تهم الرأي العام، مشيرا الى ان النظام يعتبر ان الرئيس وعائلته من المقدسات ومجرد الحديث عن صحته يتنافى مع المقدسات رغم ان صحته تهم الرأي العام والشعب الذي يصنعه الرئيس كما انه يعتبر ان حرية الاعلام والصحافة هى منحة منه وليس حقا للإعلاميين والشعوب.

ويضيف سيد أبو زيد المستشار القانوني لنقابة الصحفيين وعضو هيئة الدفاع عن عيسى ان ما يحدث الان هو أزمة صحافة وخطوة للوراء في مجال حرية الرأي بالمعنى الحقيقي للكلمة والمسئول عنها هو النظام الذي يرفض إلغاء القوانين والتشريعات المقيدة للحريات في قضايا الرأي والنشر وان غياب قانون لتداول المعلومات يفاقم من ازمة حرية الصحافة لانه في ذلك الحالة يعجز الصحفي عن الحصول على المعلومات متسائلا ما يمنع شيخ الأزهر من الرد على ما جاء في جريدة الفجر بدلا من رفع قضية وحبس الصحفيين ولماذا لم تكذب الحكومة ما جاء في الصحف بشان صحة رئيس الجمهورية.

وطالب ابوزيد بتفعيل حق الرد والابتعاد عن رفع القضايا وأيضا إقرار قانون يسمح بحرية تداول المعلومات والبيانات مشيرا الى ان النقابة تعلن تضامنها الكامل مع عيسى الى ابعد الحدود وان النقيب تقدم بمذكرة للنائب العام لإرجاء تنفيذ الحكم لحين تقديم طعن بالنقض في الحكم وتقديم استشكال لوقف تنفيذ الحكم لحين البت في النقض.
محسن بهنسي مدير مجموعة المساعدة القانونية لحقوق الإنسان يرجع ما يحدث مع رؤساء التحرير الى مواد قانون العقوبات الذي يسمح بذلك وإصدار أحكام قضائية ضد الصحفيين وان هذا القانون معمول به من عام 1914 ابان فرض الأحكام العرفية على مصر وكان الهدف منه تقييد حرية الصحفيين وحقهم في إصدار صحف جديدة وأيضا وجود المادتين 102 و 188 وهما مادتين مطاطتين وبهما شبهة عدم الدستورية لأنها تتحدث عن أمور فضفاضة منها تكدير الأمن والسلم العام وهى اتهامات يمكن تفسيرها بشكل يخضع للأهواء ومن ثم يعطي ذلك الحق للقضاة في
جمال فهمي
إصدار أحكام تقديرية على الصحفيين باعتبار ان هذا الفعل يكدر السلم العام وهو ما يؤدي حتما الى تغول للسلطة القضائية على السلطة التشريعية.

وأعرب بهنسي عن دهشته من صدور أحكام بحبس صحفيين شرفاء في الوقت المطلق فيه سراح صاحب العبارة الذي تسبب في مقتل اكثر من 1400 مواطن مصري في مياة البحر الأحمر وأيضا والذين تجاهلوا تحذيرات وقوع كارثة الدويقة مضيفا ان صدور أحكام بحبس الصحفيين هو أمر يسيء لسمعة مصر في الخارج كدولة ضد حرية الرأي والتعبير والصحافة وتقارير الجهات الدولية المعنية بحرية الرأي والتعبير تؤكد هذه الاتهامات وتندد بها.

ومن جانبه اتهم المستشار نجيب جبرائيل مدير منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان الحكومة بإتباع سياسة تكميم الأفواه وانتهاك حق الإنسان في التعبير عن رائيه مضيفا ان مثل هذا الحكم هو ردة على طريق الديمقراطية وانتكاسة للدستور مطالبا الرئيس حسني مبارك لإيقاف تنفيذ هذا الحكم لأنه يسيء إلى سمعة مصر في المحافل الدولية خاصة وان الحكم صدر في قضية ليست سبا وقذفا لأحد.
تاريخ التحديث :- توقيت جرينتش : الثلاثاء , 30 - 9 - 2008 الساعة : 10:54 صباحاًتوقيت مكة المكرمة : الثلاثاء , 30 - 9 - 2008 الساعة : 1:54 مساءً

ليست هناك تعليقات: