السبت، 2 أغسطس 2008

خط احمر ( مفيش أحمر من كده )


الأمن.. والإخوان! بقلم سليمان جودة ١٢/٩/٢٠٠٧
كان الكاتب الكبير صلاح منتصر، يمد إحدي يديه، إلي الطعام، بينما يده الأخري علي الموبايل، يسأل الأستاذ جمال بدوي، عن سبب اعتذاره عن عدم الحضور، وينقل إليه إجماع أصدقائه من الحاضرين، علي أن يطمئنوا عليه، قبل أن تمتد آأياديهم إلي الأطباق..
وكنا قد اجتمعنا، كالعادة، علي مائدة إفطار دعا إليه اللواء حمدي عبدالكريم، مدير إدارة العلاقات العامة بوزارة الداخلية، وهو رجل تشعر معه، وكأنك جالس إلي زميل مهنة في الصحافة، أو صديق حميم، وليس إلي ضابط بوليس تلمع النجوم والنياشين، علي كتفيه!.. والحقيقة، أن الإفطار، ليس هو في حد ذاته، الذي يغري هذه الكوكبة من الأدباء، والكتاب والصحفيين، بالذهاب..
فهو في كل مرة لا يخرج عن الفول، والبيض، والطعمية، والبصل، والجُبن.. ولكن أن تجد نفسك، علي موعد مع ما يشبه الصالون الثقافي، الذي كان ينعقد، أيام زمان، في «أخبار اليوم»، أو «الأهرام»، وفي غيرهما، ثم انقرض من البلد، فهي فرصة لا يجوز أن تفوت منك، ولا يليق أن تجعلها تمر من بين يديك!
وكان من الطبيعي، أن يبدأ الكلام، من قضايا الصحافة، وينتهي إليها، وأن تختلف الآراء، وتتباين، ثم تتعدد علي قدر عدد أعضاء هذا الصالون الفريد من نوعه.. وكان تقديري، ولايزال، أن العتاب، وأكاد أقول الغضب، الذي يشعر به اللواء عبدالكريم، تجاه بعض الصحف، يحتاج إلي مراجعة هادئة.. فهو يري - باعتباره رجل أمن - أن جرعة الهجوم علي جهاز الأمن، في «المصري اليوم» علي سبيل المثال، زائدة علي الحد، وهي جرعة، من وجهة نظره، تكاد تصور وقائع التعذيب، وكأنها أصبحت ظاهرة.. ويري أيضاً، أن التغطية لأخبار الإخوان، ليست طبيعية، ولا عادية..
وقد كان هذا الموضوع علي وجه التحديد، موضع جدل مستمر، بيني وبينه، في الصالون، علي الإفطار، وقبله، وبعده.. وقد تحدثت معه، طارحاً وجهة نظري الشخصية كصحفي، وكاتب، وليس متحدثاً باسم «المصري اليوم»، لأن الجريدة ليست بحاجة إلي دفاع، فما أعرفه ويعرفه كل القراء أنها تتبني المنهج المهني الصحيح في تغطية الأحداث، بعيداً عن الحسابات السياسية،
أو محاولة إرضاء أي طرف، حتي لو كان جهاز الأمن.. وهي أيضاً ترفض الدفاع عن نفسها، لأنها ليست متهمة في الأساس، وكثيراً ما قال لي الزميل مجدي الجلاد، رئيس التحرير، إن «المصري اليوم»، كجريدة تصدر كل صباح للمواطنين، هي التي تدافع عن نفسها، وأنه لا ينشغل كثيراً بمدي رضا هذا أو ذاك عن الجريدة، لأنها لو خضعت لنظرية «الرضا» فسوف تخسر القارئ فوراً، وسوف تخسر احترامها لنفسها أيضا.
وكنت، ولاأزال، أري أن نشر واقعة تعذيب هنا، أو هناك، ليس معناه أبداً أن التعذيب منهج، أو فلسفة، للوزارة.. وهذا هو المهم.. بل علي العكس.. يظل نشر أخبار من هذا النوع، لصالح الوزارة، علي طول الخط، وليس ضدها علي الإطلاق، لأنه لم يثبت، حتي الآن، أن اللواء حبيب العادلي، قد تباطأ في اتخاذ إجراء حاسم ضد ضابط، ثبت بالدليل القاطع، أنه متورط في تعذيب مواطن، كما أن وجود مثل هذه الأخبار، يوماً بعد يوم، في الصحافة بوجه عام، يعطي الوزارة فرصة هائلة، لكي تري مبكراً،
ممارسات بعض الضباط، الذين يمكن أن يسيئوا إليها.. وأغلب الظن أن تستمر الإساءة والممارسات من هذا النوع، ثم تزداد وتستفحل، إذا لم تجد صحافة تسلط عليها الضوء أولاً بأول.. والحمد لله، أن مثل هؤلاء الضباط، قليلون جداً، بما يمكن إحصاؤهم، علي أصابع اليدين، وسط عشرات الآلاف من الضباط.. أما مسألة الإخوان، فلابد أن هناك فرقاً أساسياً - واللواء عبدالكريم سيد العارفين - بين أن تنشر خبراً، عن واقعة حصلت، بتجرد وحياد،
كما تفعل «المصري اليوم» دائماً، وبين أن تتبني آراءهم، من خلال خطاب تبشيري يدعو إلي أفكارهم، وهو ما لم يحدث في أي وقت.. وليس أدل علي ذلك، من أن أقوي ضربة تلقاها الإخوان، في حكاية ميليشيات طلبة الأزهر، الشهيرة، كانت من خلال صفحات «المصري اليوم» وحدها.. وهي ضربة، نجحت للمرة الأولي، في كشف المدي الذي كانوا قد بلغوه في الإعداد والتدريب..
ثم كانت «المصري اليوم» بعدها هي أول من نشر برنامج الإخوان، وكانت أيضاً أول من انتقد البرنامج، حين أشارت بشجاعة، إلي عواقب تطبيقه المأساوية علي البلد، خصوصاً في مجال السياحة.. وفي الحالتين كانت «المصري اليوم» تسجل حدثاً يجب ألا تحجبه عن القارئ، الذي تدين له بالولاء، ولا يهمها هنا أن تقدم خدمة لأحد علي حساب طرف آخر، فلماذا لم يقل أحد وقتها إن «المصري اليوم» تقدم خدمة لوزارة الداخلية.. ولماذا لم تعلق الداخلية يومها؟!
ولم تكن هذه فقط، هي الأفكار التي امتلأ بها العقل، قبل أن تمتلئ المعدة.. فلا تزال هناك حاجة، إلي حديث آخر، عن فلوس الصحافة، وعن توزيعها، ومدي انتشارها الحقيقي بين الناس، بما يحمي القارئ، من صحافة تخدعه، وتضحك عليه.. وهي قضية سوف أعود إليها بإذن الله بما يتناسب مع أهميتها بعد أن أثيرت علي مائدة الإفطار، وراحت نتقل من ضيف إلي آخر، كأنها كرة في ملعب!

ليست هناك تعليقات: