الجمعة، 29 أغسطس 2008

الإضرابات والدستور وتحرير السوق


وبشكل عام يمكن تفسير أسباب موجة الإضرابات الأخيرة على النحو التالي:1- استشعار العمال تغيرا في دور الدولة من دولة راعية للعمال إلى دولة "بيزنيس" تركز على مقياس الربح والخسارة في المشروعات والدور الاقتصادي للدولة، بقدر أكبر من الاهتمام بالدور الاجتماعي للدولة، وهو ما جرى تقنينه بشكل أعمق عبر التعديلات الدستورية الأخيرة التي ألغت الصفة "الاشتراكية" عن الدولة، والتي اعتبرها بعض الخبراء تعديلات أخطر من الجدال الذي ثار حول مفهوم المواطنة ومادة الشريعة الإسلامية.2- تحول تشكيلة الحكومة المصرية منذ حكومة الدكتور نظيف الأولى 2004 وحتى الحكومة الثانية ديسمبر 2006 إلى حكومة رجال أعمال، حيث ضمت حكومته الأولى 3 رجال أعمال تضاعفوا إلى ستة في الحكومة الأخيرة الحالية من أصل 30 وزيرًا، ما عكس الاهتمام بأصحاب رأس المال وتخفيض الضرائب للمشروعات، بأكثر من الاهتمام بالخدمات والعمال الذي شجعت الدولة تسريحهم عبر قوانين الموظفين الجديدة. وقد أكد هذا رئيس الوزراء حينما شرح خطة عمل حكومته فور إعادة تكليفه في: "تحرير الخدمات" قائلا: "إننا سنقدم الخدمات الأساسية بأسعار متميزة بجانب الخدمات العادية للمواطن، مثل التعليم الخاص لمن يدفع بجانب التعليم العام". وشدد على أن: "تلك هي فلسفة الحكومة وسوف نطبقها في كل الخدمات من التعليم إلى الصحة إلى النقل إلى الإسكان".3- ارتباط قطاعات كبيرة من العمال المضربين بقطاع الغزل والنسيج العام (القطاع العام) الذي شهد نوعًا من الإهمال في إدارته وتوفير الخدمات له وبيعه لمستثمرين أجانب، وبالمقابل حدث تشجيع لمصانع القطاع الخاص التابعة لهذا القطاع، والمرتبطة باتفاقية الكويز الأمريكية/الإسرائيلية - اتفاقية المناطق الصناعية المؤهلة «Q.I.Z» وهي ثلاثة حروف تختصر عبارة (QUALIFIED INDUSTRIAL ZONES) – والتي تشارك إسرائيل في منتجاتها كمكون أساسي في كل منتج يخرج من تلك المدن المؤهلة، والتي جاءت لصالح رجال الأعمال الذين سيتعاملون مع أمريكا وإسرائيل، وبالمقابل تقلصت الحصص التي تصدرها هذه الشركات العامة للخارج؛ لأنه -حسبما قال أحمد رشيد وزير الصناعة المصري في تبريره لأهمية اتفاقية الكويز- "ستواجه مصر وضعاً خطيراً مع حلول انتهاء نظام الحصص من الصادرات المصرية من المنسوجات إلى الولايات المتحدة التي تبلغ 600 مليون دولار مع بداية عام 2005، حيث ستخسر هذه الصادرات عقب إلغاء نظام الحصص، وقد تغلق المصانع المصرية التي تصدر هذه المنتجات أبوابها؛ لأننا لا نستطيع إيجاد أسواق بديلة، ولأن شركات رجال الأعمال حلت محل شركات القطاع العام -بموجب الكويز- في التصدير، فقد أضر هذا بشركات قطاع الأعمال وتدني إنتاجها، وظهرت فجوات كبيرة بين أرباحها وإنتاجها.4- ظهرت الإضرابات العمالية كمولود طبيعي لحالة الحراك السياسي التي شهدتها مصر خلال عامي 2005 و2006 والتي تمثلت في خروج أي مجموعة من المهنيين أو العمال أو السياسيين والحزبيين للشارع للمطالبة بمطالب سياسية أو اجتماعية، وربما لهذا شهد عام 2006 تصاعدًا في الإضرابات والاعتصامات العمالية عموما مقارنة بسنوات سابقة، فوفقا لتقارير مركز الأرض لحقوق الإنسان بلغ احتجاجات العمال في النصف الثاني من عام 2004 عدد: 32 إضرابًا و58 اعتصامًا و41 تظاهرة، أما النصف الأول من عام 2006 فقط، فقد شهد 107 احتجاجات بالقطاعات الثلاثة (الخاص - الأعمال العام - الحكومي) واحتلت احتجاجات العاملين بقطاع الهيئات الحكومية أعلى نصاب، حيث بلغت 38 احتجاجًا، يليها احتجاجات العاملين بالقطاع الخاص حيث بلغت 36، يليها احتجاجات العاملين بقطاع الأعمال العام وبلغت 33 احتجاجا.5- وتبقى الملاحظة الجوهرية فيما يخص الإضرابات العمالية التي وقعت حتى الآن في أنها كشفت عن حالة من انعدام الثقة بين العمال وبين ممثليهم في الهيئات النقابية العمالية المفترض أنهم منتخبون بواسطة العمال أنفسهم، وهو ما يفتح الباب أمام السؤال عن تعبير هذه القيادات العمالية عن مطالب العمال الحقيقية أم عن رغبات الحكومة، خصوصًا أن الانتخابات العمالية الأخيرة شهدت عمليات شطب وتدخلات أمنية واسعة لمنع ترشيح أو فوز المعارضين، خصوصا من جماعة الإخوان المسلمين، وقد اعترفت وزيرة القوى العاملة ضمنا -في حوار مع برنامج البيت بيتك 4 فبراير 2007 بهذه الفجوة بين العمال وقياداتهم الذين قالت إنهم ربما نقلوا للحكومة صورة غير دقيقة عن موافقة العمال على مسائل معينة، وقالت إنها مستقبلا سترسل بمبعوثين للعمال مباشرة في حالة بيع شركة ما، ما يعد اعترافًا بعدم تمثيل هذه القيادات العمالية (الحكوميين) للعمال بدقة، ويعتبر هذا أحد عيوب وتداعيات تزوير الانتخابات العمالية بدعوى إبعاد الإسلاميين عنها

ليست هناك تعليقات: