الأحد، 24 أغسطس 2008

فضيحة بجلاجل للفقى


أحكام محكمة النقض لا تؤخذ من ظاهرها، ولكن يجب إمعان النظر فيها، حتى يمكن الوصول إلى حقيقة ما حسمته المحكمة من الأمور المعروضة عليها، وما لم تجد ضرورة لحسمه؛ لأنها وجدت في غيرها ما يغنيها عن ذلك، فإذا عرفنا أن عدد الطعون التي قامت المحكمة بنظرها في هذه الدائرة خمسة وعشرون طعنًا، يعتمد كل طعن فيها على أسباب تختلف عن الآخر، فكان لا بد للمحكمة أن تلجأ إلى السبب المشترك بينها جميعًا وتستند إليه في قضائها، وهو بطلان النماذج المستخدمة في عملية فرز الأصوات وتجميعها وإثبات إجراءات اللجان الفرعية؛ لعدم التوقيع عليها ممن قام بتحريرها أو استيفاء البيانات الواجبة الإثبات فيها.

أبدت المستشارة الدكتورة نهي الزيني «نائب رئيس هيئة النيابة الإدارية» دهشتها الشديدة مما وصفته بـ«ادعاءات» الدكتور مصطفي الفقي «رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب»، حول إثبات تقرير محكمة النقض الصادر أمس الأول عدم وجود تزوير في انتخابات مجلس الشعب بدائرة بندر دمنهور، مؤكدة أن ما يقوله الفقي في هذا الأمر غير صحيح بالمرة.

وقالت نهي الزيني إن الفقي يحاول بتصريحاته الصحفية والتليفزيونية المتلاحقة أن يوحي للرأي العام أن تقرير «النقض» أثبت عدم وجود تزوير في دائرته الانتخابية، والحقيقة غير ذلك تماماً إذ أن محكمة النقض لم تحقق في واقعة التزوير أصلاً، واكتفت بتقرير بطلان إجراءات العملية الانتخابية دون الخوض في مسألة التزوير من عدمه.

وانتهت المحكمة استنادًا إلى ذلك إلى بطلان الانتخابات، وكان هذا كافيًا من وجهة نظرها للفصل في هذه الطعون جميعًا، أما عملية التزوير التي شابتها فقد عرضت لها المحكمة عرضًا بسيطًا لم يصل إلى درجة الحسم فيها، كما قضت ذات المحكمة في الطعون الخاصة بدائرة مركز شرطة دكرنس محافظة الدقهلية أو نبروه محافظة الدقهلية، أو تبين محافظة كفر الشيخ أو الدائرة السادسة قسم مدينة نصر ومصر الجديدة محافظة القاهرة، حيث كان السبب الرئيسي الذي استندت عليه المحكمة في بطلان الانتخابات هو تزويرها، طبقًا لما ثبت لها من التحقيق والفحص الدقيق الذي أجرته في هذا الشأن.

أما في الطعون الخمسة والعشرين الخاصة بدائرة بندر دمنهور وزاوية غزال، فلم تقُم المحكمة بتحقيق وقائع التزوير التي شابتها اكتفاءً بالقول بأن المرشح الطاعن جمال حشمت قد تضارَب في أقواله بعدد الأصوات التي يقرِّر أنه حصل عليها كما لم يبِن أو يقدِّم أي دليل مقبول في أي رقم قال به، بل إنه يقرر أن ما يقول به إنما هو بناء على أقوال سمعها من الغير، دون تحديد أو تقديم المستند الذي يؤيد زعمه؛ مما يتعيَّن معه طرْحُ أقواله في هذا الخصوص جانبًا، وعدم التعويل عليها، والحقيقة أن الدليل الوحيد على عملية التزوير هو في يد إدارة الانتخابات، وهو محاضر الفرز وبطاقات الاقتراع، فكيف يمكن للطاعن تقديمه؟!

وعندما سُئلتُ في الشكوى المقدَّمة مني إلى السيد وزير العدل، رئيس اللجنة العليا للانتخابات، ورئيس مجلس القضاء الأعلى، والنائب العام، قلت: إن الدليل الوحيد على تزوير هذه الانتخابات لا يستند إلى شهادة القضاة ولا أقوال شهود إثبات، إنما إلى محاضر الفرز في اللجان الفرعية، ومطابقة ما جاء بها على محضر اللجنة العامة، وعدم اعتماد أي محضر غير موقَّع من اللجنة الفرعية، فإذا ما أثبت التقرير الخاص بانتخابات بندر دمنهور أن النموذج "٥٠ ش" المخصص لعملية فرز الأصوات- وهو ما يعرف بـ"الحقول" ١٢٤ محضرًا من ١٦٠ غير موقَّعة- وأن النموذج "٤٨ س"، الذي يتم فيه إثبات مجموع ما حصل عليه كل مرشح باللجنة الفرعية ٩٣ منها غير موقّع عليه.. تبيَّن لنا مدى العبث الذي حصل في المستندات التي عُرضت على محكمة النقض، لكي تستند إليها في الاقتناع بالتزوير، ومن المعروف قانونًا أن المستند غير الموقَّع لا قيمة له في الإثبات، وهو ذات ما استندت إليه المحكمة في تقريرها ببطلان الانتخابات.

فهل يمكن بعد ذلك القول بأن عملية التزوير قد قالت فيها المحكمة كلمتها بعد؟! وإذا كانت محكمة النقض قد أنهت دورها في هذا الشأن فإن دور النيابة العامة لم ينتهِ بعد، وهو في هذا الشأن مكمِّلٌ لدور محكمة النقض وغير متناقض معه، سواءٌ انتهى إلى وقوع التزوير أو عدم وقوعه؛ لأنه في الحالة الأولى يضيف إلى التقرير سببًا جديدًا لم تحقِّقْه المحكمة، وفي الحالة الثانية يتفق معه في عدم الاقتناع بوقوع تزوير، وما نطالب النيابة بالقيام به هو إجراء جنائي يدخل في اختصاصها، لأنه يكون جريمة جنائية لا علاقة له بالطعن الانتخابي، ولا يتعارض معه، خاصةً في هذه الحالة التي لم تقُل محكمة النقض كلمتها فيها.

انتخابات بندر دمنهور وزاوية غزال نموذج للتزوير، الذي شهد به ١٥١ قاضيًا أشرفوا عليها، لم يطلب منهم أحد الحضور للشهادة، إلا الزميلة الدكتورة نهى الزيني، التي لا أعتقد أنها تتأخر عن شهادة تطوَّعت هي بها، دون طلب، ولا بد أن عدم حضورها يرجع إلى أسباب مقبولة.

يُضاف إلى ذلك أن دليل إثبات التزوير الذي لا يجادل فيه أحد ليس في يد الطاعنين، بل هو في يد الحكومة، لا يملكون تقديمه، وحتى إذا قدمناه هل يتم تحقيقه؟! لقد قدمنا هذا الدليل في دائرتَي بندر دمياط والعجوزين مركز كفر الشيخ، ولم يتم تحقيقه حتى الآن!

ليست هناك تعليقات: